“ثورة عمليات الدفع: بين ظهور “فيد ناو” واستمرارية “فيد واير””
يمتلئُ عالم المال بالإثارة والترقُّب بشأن قرب إطلاق خدمة “فيد ناو”، وهو نظام الدفع الفوري الرائد الذي يُقدِّمُهُ الاحتياطي الفدرالي. ومَشهودٌ لهذا المشروع المُبتَكَر بأن يُحدِثَ ثورة كبيرة في المشهد المالي الامريكي المحلي، بل وسوف يُصبِحُ له تأثير على الصعيد العالمي. في حين أن خدمة ”فيد واير” الحالية تساهم كثيرًا في التحويلات عالية القيمة وكبيرة المقدار، فإن خدمة “فيد ناو” مُصمَّمَة خصيصًا لتلبية طلب
سوق مُختَلف، مما يَجعلُها إضافة قوية ومُؤثِّرَة للنظام الحالي
خدمة فيد ناو: تغيير طبيعة عمليات الدفع الفورية
لقد لعب الاحتياطي الفدرالي على مرِّ التاريخ دورًا حاسمًا في تعزيز العديد من التطورات الهامة داخل النظام المالي بالولايات المتحدة. وإطلاق خدمة “فيد ناو” تُمثِّلُ أحدث إضافة إلى سلسلة الابتكارات الاستراتيجية، ومتوقع لها بأن تُحدِثَ تأثيرًا كبيرًا في النظام المالي الحالي. ولكي نُدرِكَ أهمية “فيد ناو” بشكل كامل، يجب فهم دورها ضمن النطاق الاوسع للمشهد الحالي لعمليات الدفع. في حين أن السوق الأمريكية تَضُم بالفعل خدمات الدفع الفوري مثل؛ Venmo، Zelle، PayPal، و Cash App، إلا أن هذه الأنظمة الخاصة بها بعض القيود، مثل تأخيرات تسوية الصفقات بين المُؤسَّسات وقيود مفروضه على قيم المعاملات. أمَّا خدمة “فيد ناو”، فهي مُبادَرَة من مجلس الاحتياطي الفدرالي، تَهدِفُ إلى التغلُّب على هذه التحديات دون الغاء هذه الأنظمة القائمة
“مُقارَنَة بين خدمتي “فيد ناو” و”فيد واير
من المُتوقَّع أن تُطلَق خدمة “فيد ناو” في هذا الشهر من عام 2023، وذلك بهدف توفير عمليات دفع فورية على مدار الساعة طوال العام (24/7/365). إن “فيد ناو” تَعمَل كخدمة تسوية إجمالية فورية في الوقت الحقيقي (ر ج ت س)، حيث توفر بنية تحتية للمُعامَلات الفورية التي لا رَجعَة فيها بين المُؤسَّسات المالية بالولايات المتحدة الأمريكية. اذن، كيف يقارَنُ هذا بنظام فيد واير الموثوق به؟
إن “فيد واير” هو نظام تسوية عمليات الدفع الفورية أيضًا (ر ج ت س)، ويَدعُم تحويل الأموال الإلكترونية بين مُؤسَّساته الأعضاء، حيث يُعطي الأولوية للمعاملات ذات القيمة الكبيرة. ومع ذلك، على عكس “فيد ناو”، فإن “فيد واير” يَعمَل خلال ساعات عمل مُحدَّدَة. لذا فإن نظام “فيد ناو” يَهدِفُ إلى توفير حل أكثر شمولية بخدمة مجموعة أوسع من المُؤسَّسات المالية، ممَّا يُعزِّزُ التواصل المالي الشامل
“التعايُش بين استخدام “فيد ناو” و”فيد واير
بدلاً من التنافُس بين النظامين، فقد صُمِّمَ “فيد ناو” و”فيد واير” للتعايش معًا، حيث كل منهما يُلبِّي غرض مُتميِّز عن غيره. في حين يُستَعانُ بنظام “فيد واير” بشكل أساسي لتسهيل عمليات الدفع الكبيرة والمهمة من حيث الوقت، أمَّا “فيد ناو” فهو يُركِّزُ على تيسير مُختلف المعاملات اليومية. نتيجة لذلك، سوف يَستَفيدُ الأفراد والشركات من الراحة والسرعة التي يُقدِّمها نظام “فيد ناو”، مع الاعتماد على نظام “فيد واير” لإجراء المُعامَلات ذات القيمة العالية بأمان وموثوقية
فَهْم سقف حدود العمليات المالية: مُقارَنَة
إحدى الاختلافات الملحوظة بين “فيد ناو” و”فيد واير” تَكمُن في سقف حدود العمليات المالية. حيث أن نظام “فيد ناو” يَتعامَلُ مع المعاملات حتى 500,000 دولار، مع حد افتراضي قدره 100,000 دولار للمشاركين، مع مراعاة التعديل حسب المتطلبات. أمَّا “فيد واير”، فقد صُمِّمَ خصيصًا للتعامل مع المعاملات ذات النطاق الواسع والقيم العالية، وغالبًا ما تُفضِّلُه الشركات الكبيرة والمُؤسَّسات المالية الضخمة
التداخُل بين “فيد ناو” و “سي بي دي سي” والعملات المُشفَّرَة
يَتزامَنُ إطلاق “فيد ناو” مع استكشاف الاحتياطي الفدرالي النشط للعملات الرقمية المركزية (سي بي دي سي). في حين أن الاحتياطي الفدرالي لم يَتَّخِذ قرارًا قاطعًا بشأن تنفيذ العملات الرقمية المركزية للبنك المركزي (سي بي دي سي)، إلا أن بحوثه المستمرة والتجارب التي يُجريها تَتوافَقُ مع اتجاه عالمي أوسع
فإن عدة دول، ومنها البهاما والهند وسنغافورة والنرويج والسويد ونيجيريا، قد أَطلَقَت العملات الرقمية “سي بي دي سي” الخاصة بها، أو أنَّها حاليًا تُجرِّب الفكرة. تلك التطورات لها أهمية بالغة بالنسبة لسوق العملات المُشفَّرَة. وعلى الرغم من تداول العملات المُشفَّرَة مقابل مجموعة عملات متنوعه من العملات ”fiat“ (مثل اليورو والين والجنيه الاسترليني، وما الى ذلك)، فإن جزءًا كبيرًا من التداول العالمي للعملات المُشفَّرَة يدور حول الدولار الأمريكي أو العملات المُستقرَّة المرتبطة بالدولار بسبب السيولة والاستقرار الذي توفره
التفاعل بين “فيد ناو” و”سي بي دي سي” والعملات المُشفَّرَة من المتوقع أن يكون مُعقَّدًا، ويَنتُج عنه آثار بعيدة المدى. في حال اعتماد الولايات المتحدة لعملات “سي بي دي سي” الرقمية، فهناك احتمالية لدمجها مع خدمة ”فيد ناو”، مما يُؤدِّي إلى تكوُّن نظام دفع رقمي شامل وقوي
لذا فإن إطلاق نظام “فيد ناو” واحتمالية دمج العملة الرقمية للبنك المركزي ”سي بي دي سي” ضمن المعايير القانونية والتنظيمية الأمريكية، قد يُحدِثُ ثورة في السوق من خلال تقليل ضرورة وجود العملات المُستقرة المرتبطة بالدولار واستبدالها بدولار رقمي يَحمِلُ دعمًا حكوميًا. نظريًا، قد يُسهِّلُ هذا السيناريو التفاعل بين العملات المُشفَّرَة والمُؤسَّسات المالية التقليدية، مما يُؤدِّي بالتالي إلى زيادة السيولة وتقليل الاعتماد على القطاع المصرفي التقليدي
وعلى الجانب الآخر، قد يُواجِهُ إطلاق “فيد ناو” و”سي بي دي سي” في المستقبل تحديات كبيرة للعملات المُشفَّرَة. وعلى الرغم من أنه من المُبكِّر جدًا التنبؤ بالنتائج، فإن التدابير التنظيمية المُتعلِّقة بنظام العملات “سي بي دي سي” قد تُؤثِّرُ بشكل غير مباشرة على السوق العالمية للعملات المُشفَّرَة. وحتَّى مع التأثيرات التنظيمية المُحتَمَلَة، فمن المُتوقَّع أن تَحتَفِظُ العملات المُشفَّرَة بقوتها كبديل جدير، خاصَّةً مع زيادة الوعي بأنظمة الدفع السريعة
“إطلاق استراتيجي لخدمة “فيد ناو
إطلاق خدمة “فيد ناو” يَتبَع استراتيجية مُصمَّمَة بعناية، ومُكوَّنَة من ست مراحل: التعلُّم، المُشارَكَة، التحضير، الالتزام، الانضمام، والبدء الفعلي. تُعَدُّ المرحلة الأولية “التعلُّم”، التي تَبدَأ في يوليو الحالي، هي مُجرَّد بداية، حيث تَتبَع المراحل اللاحقة جدولًا زمنيًا لم يُحدَّد بعد. والبقاء على اطلاع دائم بشأن هذه التطوُّرات أمر ضروري للمشاركين والمراقبين على حد سواء
تأثير “فيد ناو” على المشهد المالي العالمي
سوف يَشهَدُ إطلاق “فيد ناو” تأثير كبير على المشهد المالي العالمي. فإن التزامه بالمدفوعات الفورية على مدار الساعة يَضَع سابقة قد تُصبِحُ مصدر إلهام للدول الأخرى لمُحاكاته. وقد يَحِثُّ البنوك المركزية في دول أخرى على تسريع مبادراتها الخاصة بالدفع الفوري و”سي بي دي سي“، مما يُعجِّلُ بالانتقال العالمي نحو الاقتصادات الرقمية
عن تطورات العملات المُشفَّرَة المركزية العالمية
بينما تُمهِّدُ الولايات المتحدة طريقها الخاص، فإن دولًا أخرى تُحرِزُ تقدُّمًا كبيرًا في مجال العملات الرقمية المركزية “سي بي دي سي“. فهناك دول مثل الصين والهند والمملكة المتحدة تُحقِّقُ تقدمًا كبيرًا في مجال سي بي دي سي، بينما أَطلَقَت دول البهاما ونيجيريا عملاتها الرقمية المركزية “سي بي دي سي” بالفعل. حيث تَدورُ الدوافع وراء هذه المُبادرات في كثير من الأحيان حول تعزيز الشمول المالي، وتعزيز الأمان ضد الأنشطة غير المشروعة، وتحسين كفاءة المعاملات
ما أهمية ”فيد ناو”؟
إن إطلاق “فيد ناو” يُمثِّلُ مَعلَمًا هامًا لعدة أسباب. أولاً، إطلاق خدمة “فيد ناو” يُلبِّي الطلب المتزايد على معالجة المعاملات بشكل أسرع وأكثر كفاءة. ثانيًا، يُمثِّلُ هذا الإطلاق مَعلَمًا هامًا في جهود الاحتياطي الفدرالي لتحديث أنظمة الدفع، مما يَدُلُّ على التزامه بتنمية منظومة مالية أكثر شمولية
الخُلاصَة
في كلماتٍ مُوجَزَة، يُمثِّلُ إطلاق خدمة “فيد ناو” تَقدُّمًا ملحوظًا في تطور البنية التحتية المالية في الولايات المتحدة، وهو مُكمِّلًا قَيِّمًا للنظام الحالي “فيد واير”. وتأثيره المُحتَمَل على كلٍ من سوق العملات المُشفَّرَة ومستقبل العملات الرقمية في الولايات المتحدة يُمثِّل سببًا وجيهًا لكي يُوضَعُ تحت المِجهَر ويأخُذُ ذلك الاهتمام
في عالم اقتصادي رقمي يَتطوَّر بشكل سريع جدًا، فإن قدرة الاحتياطي الفدرالي على التكيف والابتكار لهو أمرٌ حاسم، للحفاظ على موقع الولايات المتحدة كمُنافِس بارز في السوق المالية العالمية
يَستَنِدُ هذا المنشور على المعلومات المتاحة حتى يوليو 2023. فقد تُغيِّرُ التطورات المستقبلية الآراء المَطروحة هنا. لذلك، نُوصِي بالبقاء على اطلاعٍ دائم بشأن هذا المشهد المُتطوِّر لفهم تأثيره على الأسواق المالية المحلية والعالمية بشكل كامل
